الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

التعايش مع المَهَق

التعايش مع المَهَق

التعايش مع المَهَق

من مراسل استيقظ!‏ في بينين

‏«كلما ملأت نموذجا أُسأل فيه عن عرقي،‏ وضعت اشارة بجانب كلمة ‹اسود› مع انني اكثر بياضا من معظم البيض».‏ هذا ما قاله جون،‏ رجل مصاب بالمَهَق يعيش في افريقيا الغربية قرب الحدود بين بينين ونيجيريا.‏ والمَهَق خلل في المورّثات يسبّب انعداما جزئيا او كليا للمادة الملوِّنة للعينين والجلد والشعر (‏احيانا للعينين فقط)‏.‏ فما مدى انتشار المَهَق؟‏ كيف يؤثّر في حياة المرء اليومية؟‏ وكيف يتعايش المُهْق مع حالتهم؟‏ *

يَظهر المَهَق بأكثر وضوح عند الاشخاص ذوي البشرة الداكنة،‏ ولكن يمكن ان يُصاب به اناس من شتى الدول والشعوب والاعراق.‏ فالتقديرات تشير ان واحدا من كل ٠٠٠‏,٢٠ شخص مصاب بهذا المرض.‏

ويمكن ان تتناقل الاجيال المورّثات المَعيبة المسببة للمَهَق دون ان يظهر على حاملها اي من اعراضه.‏ وهذا ينطبق على جون الذي لا يتذكر اقاربه ان احدا من اسلافه كان مصابا بالمَهَق.‏

كيف يؤثّر على الجلد والعينين

حين يتعرّض معظم ذوي البشرة الفاتحة للشمس فترة قصيرة من الوقت،‏ يسمرّ جلدهم بسبب صباغ يُدعى ميلانين ينتجه الجسم لحماية الجلد.‏ لكنّ جسم جون خالٍ من هذا الصباغ.‏ فهو مصاب بالمَهَق الجلدي العيني،‏ احد انواع المَهَق الاكثر شيوعا الذي يتميّز بانعدام الميلانين في الجلد والشعر والعينين.‏ * وكيف يتأثر الجلد بذلك؟‏ تلذع الشمس جلد المُهْق بكل سهولة،‏ فيُصابون بحروق تسبّب لهم الالم والانزعاج.‏ والاسوأ من ذلك ايضا انهم يكونون معرّضين اكثر من غيرهم لخطر الاصابة بسرطان الجلد اذا لم يتخذوا الاحتياطات الكافية لحماية جلدهم.‏ ويصحّ ذلك خصوصا في المناطق المدارية.‏

لذا فإن خط الدفاع الاول لحماية الجلد هو ارتداء ثياب ملائمة تقي حر الشمس.‏ اليك مثلا ما يفعله جون الذي يعمل مزارعا.‏ فهو يعتمر قبعة عريضة الحافة ويلبس قميصا طويل الاكمام حين يعمل في الحقل.‏ ورغم انه يحمي نفسه بذلك،‏ يوضح قائلا:‏ «اشعر في بعض الاحيان ان نارا محرقة تشتعل في كل جسدي.‏ وإذا حككت ذراعي لاحقا ينكشط جلدي تحت اظافري احيانا».‏

ويمكن حماية الجلد ايضا باستخدام كريم واقٍ من الشمس،‏ اذا كان متوفرا.‏ ويُفضَّل ان يكون بعامل وقاية (‏SPF)‏ درجته ١٥ او اعلى.‏ وينبغي ان يُدَّهن به بغزارة قبل ٣٠ دقيقة من التعرض للشمس وأن تعاد الكرّة كل ساعتين.‏

يؤثّر المَهَق على العينين ايضا بطرائق متعددة.‏ فالصباغ الموجود في القُزَحية لا يسمح عادة بدخول اشعة الشمس الى العين إلا من خلال البؤبؤ.‏ ولكن بما ان قُزَحية الامهق شفافة الى حد كبير،‏ يدخل عبرها الضوء غير المرغوب فيه،‏ ما يؤدي الى تهيّج العينين.‏ لذلك يلبس كثيرون قبعة او يضعون واقيا للوجه او نظارات تحول دون دخول الاشعة فوق البنفسجية الى العين،‏ في حين يؤثِر آخرون استعمال العدسات اللاصقة.‏ يقول جون انه لا يحتاج في احيان كثيرة الى حماية عينيه في وضح النهار.‏ اما في الليل فينزعج احيانا من الضوء الباهر الصادر عن مصابيح السيارات الامامية.‏

ويُعتقد عموما ان المصابين بالمَهَق يتميزون بعيون ضاربة الى الحمرة،‏ لكنّ هذا اعتقاد خاطئ.‏ فالقزحية عند معظمهم تكون بلون باهت رمادي او بني او ازرق.‏ اذًا،‏ لمَ تبدو عيونهم حمراء؟‏ يذكر كتاب وقائع حول المَهَق ‏(‏بالانكليزية)‏:‏ «عند درجات معيّنة من الضوء،‏ ينعكس لون قرنفلي او بنفسجي من خلال القُزَحية التي يكاد ينعدم الصباغ فيها.‏ وهذا الانعكاس يأتي من الشبكيّة».‏ ويمكن تشبيه ذلك بما يحدث عندما تَظهر العين حمراء احيانا في الصور الملتقَطة باستخدام الضوء الوامض (‏flash)‏.‏

كما يعاني المُهْق بشكل عام من عيوب في العينين،‏ كالحوَل مثلا الذي ينجم عن خلل في توصيلات الاعصاب التي تربط الشبكيّة بالدماغ.‏ ويتأتّى عن ذلك شذوذ في حركة العينين يخلق صعوبة في تقدير الابعاد.‏ ويمكن معالجة الحوَل بوضع نظارات مناسبة او اجراء جراحة لتصحيحه.‏

لكنّ العلاج في بلدان كثيرة مكلف جدا او غير متوفر.‏ فكيف يتكيّف جون مع الحوَل في عينيه؟‏ يذكر:‏ «عليّ ان اتوخّى الحذر دائما.‏ فحين اعبر الطريق،‏ لا اعتمد على عينيّ فقط بل على اذنيّ ايضا.‏ فإذا رأيت سيارة قادمة،‏ لا اقطع الطريق اذا كنت اسمع صوتها بوضوح».‏

وثمة عيب آخر يسببه المَهَق هو الرأرأة،‏ اي تحرك الحدقتين اللاإرادي.‏ ويمكن ان تؤدي هذه الحالة الى مشاكل في النظر،‏ كالإصابة مثلا بقصر او بُعد حاد في النظر.‏ ويمكن تحسين الرؤية احيانا بواسطة النظارات او العدسات اللاصقة،‏ لكنّ ذلك لا يعالج اصل المشكلة.‏ وقد تعلّم البعض التخفيف من الرأرأة اثناء القراءة بإمالة الرأس او وضع اصبع قبالة العين لتثبيتها.‏

لكنّ المشكلة الاصعب التي يواجهها جون،‏ وهو واحد من شهود يهوه،‏ ليست الحوَل ولا الرأرأة بل قصر النظر الحاد.‏ يذكر:‏ «عليّ ان اقرّب المواد المكتوبة كثيرا الى عيني كي اتمكن من قراءتها.‏ ولكن حالما اضعها على مسافة مناسبة،‏ اقرأ بسرعة الى حد ما.‏ وهذا مهم من اجل قراءتي اليومية في الكتاب المقدس».‏ وأردف قائلا:‏ «استعد جيدا للمواضيع التي اقدّمها في الاجتماعات المسيحية كي لا اتكل كثيرا على ملاحظاتي.‏ وأنا سعيد جدا ان برج المراقبة تصدر بحروف كبيرة بلغتي اليوروبية».‏

قد لا يكون الالتحاق بالمدرسة امرا سهلا على الاطفال المصابين بالمَهَق العيني.‏ ولكن اذا بادر الوالدون مسبقا الى استشارة المعلّمين او ادارة المدرسة،‏ فقد يجدون في الغالب مساعدات عملية.‏ مثلا،‏ تتوفّر في بعض المدارس مواد مكتوبة بحروف يتباين لونها مع لون خلفية الصفحات،‏ كتب دراسية مطبوعة بحروف كبيرة،‏ وتسجيلات سمعية.‏ وإذا تضافرت جهود الوالدين والاساتذة وإدارة المدرسة،‏ يتمكن الطفل المصاب بالمَهَق العيني من اتمام سنواته الدراسية بنجاح.‏

الصعوبات الاجتماعية

يعرف معظم المصابين بالمَهَق كيف يتعايشون مع اعاقاتهم الجسدية.‏ لكن كثيرين يستصعبون تحمّل الوصمة الاجتماعية التي تلحق بهم جراء مرضهم.‏ ويشكّل ذلك تحديا كبيرا للاولاد بشكل خاص.‏

ففي بعض اجزاء افريقيا الغربية،‏ يصبح الاولاد المصابون بالمَهَق محط السخرية والاستهزاء بسبب لونهم الابيض.‏ حتى انهم ينعتونهم بالمقرفين في بعض المناطق التي تتكلم اللغة اليوروبية.‏ لكنّ الراشدين بشكل عام لا يتعرّضون لهذا القدر من التهكّم.‏ ومع ان الناس في افريقيا الغربية يمضون حياتهم عموما خارج البيوت،‏ يؤثِر بعض المُهْق الانزواء في منازلهم.‏ ويُرجَّح ان يولّد ذلك فيهم شعورا بأنهم منبوذون وعديمو الفائدة.‏ لقد كان جون يتخبط في هذه المشاعر الى ان تعلّم حق كلمة اللّٰه واعتمد سنة ١٩٧٤.‏ ومذاك بات يرى الحياة بمنظار مختلف تماما.‏ فبعد ان كان يعيش حياة عزلة في البيت،‏ ادرك المسؤولية الملقاة على عاتقه ان يذهب ويبشّر الآخرين بالرجاء الرائع الذي تعلّمه.‏ يقول جون:‏ «ان حالة الناس الروحية اهم بكثير من قلقي بشأن مظهري الخارجي».‏ ولكن هل يتعرّض جون للاستهزاء في الخدمة؟‏ يجيب قائلا:‏ «ألتقي بين حين وآخر شخصا يعارض بشدة رسالة الكتاب المقدس،‏ فيتذرّع بشكلي ليتهكّم عليّ.‏ لكنني لا انزعج منه لأنني ادرك ان السبب لا يكمن فيّ بل في الرسالة التي احملها».‏

نهاية المَهَق

شهدت السنوات الاخيرة تقدما ملحوظا في معالجة المَهَق.‏ وبات الطب قادرا على تزويد المساعدة اكثر من اي وقت مضى.‏ هذا بالاضافة الى فرق المساعدة الذاتية حيث يتبادل المُهْق خبراتهم ويحسّنون فهمهم لوضعهم الصحي.‏ غير ان الحل النهائي ليس في يد الانسان بل في يد اللّٰه.‏

فالمَهَق،‏ مثله مثل سائر الامراض،‏ سببه النقص الذي ورثه كل البشر عن الانسان الاول آدم.‏ (‏تكوين ٣:‏١٧-‏١٩؛‏ روما ٥:‏١٢‏)‏ ولكن بواسطة ذبيحة يسوع المسيح الفدائية،‏ سيُنعم يهوه عما قريب بالصحة الكاملة على كل الذين يعربون عن الايمان.‏ فهو الذي «يشفي جميع امراضك».‏ (‏مزمور ١٠٣:‏٣‏)‏ وعندئذ يصبح المَهَق شيئا من الماضي لأن كل الذين يعانون منه سيختبرون اتمام الكلمات في ايوب ٣٣:‏٢٥‏:‏ «ليصِر لحمه أغض من لحم حداثته،‏ وليعد الى ايام شبابه».‏

‏[الحاشيتان]‏

^ ‎الفقرة 3‏ لا ينبغي الخلط بين المَهَق وبين حالة اخرى تُدعى البَهَق.‏ انظر عدد ٢٢ ايلول (‏سبتمبر)‏ ٢٠٠٤ من مجلة استيقظ!‏،‏ الصفحة ٢٢‏.‏

^ ‎الفقرة 7‏ انظر الاطار المرافق لمعرفة بعض التفاصيل عن انواع من المَهَق.‏

‏[النبذة في الصفحة ٢٩]‏

‏«‏حالة الناس الروحية اهم بكثير من قلقي بشأن مظهري الخارجي‏».‏ ‏—‏ جون

‏[الاطار في الصفحة ٢٨]‏

بعض انواع المَهَق

هنالك نوعان رئيسيان للمَهَق هما:‏

المَهَق الجلدي العيني:‏ يتميز بانعدام صباغ الميلانين في الجلد والشعر والعينين.‏ وتُصنَّف ضمن هذا النوع اشكال عديدة يصل عددها الى العشرين تقريبا.‏

المَهَق العيني:‏ تقتصر آثاره على العينين فقط في حين يكون الجلد والشعر في حالة طبيعية.‏

وللمَهَق ايضا انواع اخرى كثيرة اقل شيوعا،‏ منها متلازمة هيرمانسكي-‏پودلاك (‏HPS)‏.‏ والمرضى بهذه المتلازمة ينزفون او يصابون بالكدمات بكل سهولة.‏ ويكثر هذا النوع من المَهَق بين سكان بورتو ريكو،‏ حيث يُقدَّر ان واحدا من كل ٨٠٠‏,١ من السكان مصاب به.‏