لا تنظر «الى ما هو وراء»
«لَيْسَ أَحَدٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى ٱلْمِحْرَاثِ وَيَنْظُرُ إِلَى مَا هُوَ وَرَاءُ يَصْلُحُ لِمَلَكُوتِ ٱللهِ». — لو ٩:٦٢.
١ مَا هُوَ ٱلتَّحْذِيرُ ٱلَّذِي أَعْطَاهُ يَسُوعُ، وَأَيُّ سُؤَالٍ يَنْشَأُ؟
«اُذْكُرُوا زَوْجَةَ لُوطٍ». (لو ١٧:٣٢) إِنَّ هذَا ٱلتَّحْذِيرَ ٱلَّذِي أَعْطَاهُ يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ مُنْذُ أَلْفَيْ سَنَةٍ تَقْرِيبًا لَهُ أَهَمِّيَّةٌ فِي أَيَّامِنَا أَكْثَرَ مِنْ أَيِّ وَقْتٍ مَضَى. فَمَاذَا قَصَدَ بِهذَا ٱلتَّحْذِيرِ ٱلْجِدِّيِّ؟ لَمْ يَكُنْ سَامِعُوهُ ٱلْيَهُودُ بِحَاجَةٍ إِلَى أَيِّ شَرْحٍ إِضَافِيٍّ إِذْ كَانُوا عَلَى دِرَايَةٍ بِمَا حَدَثَ مَعَ زَوْجَةِ لُوطٍ. فَقَدْ عَصَتِ ٱللهَ وَنَظَرَتْ إِلَى ٱلْوَرَاءِ أَثْنَاءَ ٱلْهَرَبِ مِنْ سَدُومَ مَعَ عَائِلَتِهَا، فَصَارَتْ عَمُودَ مِلْحٍ. — اِقْرَأْ تكوين ١٩:١٧، ٢٦.
٢ لِمَ نَظَرَتْ زَوْجَةُ لُوطٍ إِلَى ٱلْوَرَاءِ، وَأَيُّ ثَمَنٍ دَفَعَتْهُ لِقَاءَ تَمَرُّدِهَا؟
٢ وَلكِنْ لِمَ ٱلْتَفَتَتْ زَوْجَةُ لُوطٍ إِلَى ٱلْوَرَاءِ؟ هَلْ كَانَ ذلِكَ بِسَبَبِ ٱلْفُضُولِ، أَمِ ٱلشَّكِّ، أَمْ قِلَّةِ ٱلْإِيمَانِ؟ أَمْ إِنَّهَا كَانَتْ تَتُوقُ إِلَى كُلِّ مَا تَرَكَتْهُ خَلْفَهَا فِي سَدُومَ؟ (لو ١٧:٣١) بِصَرْفِ ٱلنَّظَرِ عَنِ ٱلسَّبَبِ، فَقَدْ دَفَعَتْ حَيَاتَهَا ثَمَنَ تَمَرُّدِهَا. فَفِي ٱلْيَوْمِ ذَاتِهِ ٱلَّذِي هَلَكَ فِيهِ سُكَّانُ سَدُومَ وَعَمُورَةَ ٱلْفَاسِقُونَ، لَقِيَتْ هذِهِ ٱلْمَرْأَةُ حَتْفَهَا. لَا عَجَبَ إِذًا أَنَّ يَسُوعَ قَالَ: «اُذْكُرُوا زَوْجَةَ لُوطٍ»!
٣ كَيْفَ أَبْرَزَ يَسُوعُ أَهَمِّيَّةَ عَدَمِ ‹ٱلنَّظَرِ إِلَى مَا هُوَ وَرَاءُ›؟
٣ نَحْنُ أَيْضًا نَعِيشُ فِي زَمَنٍ لَا يَجُوزُ فِيهِ أَنْ ‹نَنْظُرَ إِلَى مَا هُوَ وَرَاءُ›. وَقَدْ أَبْرَزَ يَسُوعُ أَهَمِّيَّةَ هذِهِ ٱلنُّقْطَةِ فِي جَوَابِهِ لِلرَّجُلِ ٱلَّذِي سَأَلَهُ هَلْ بِإِمْكَانِهِ ٱلْعَوْدَةُ لِتَوْدِيعِ عَائِلَتِهِ قَبْلَ ٱلصَّيْرُورَةِ تِلْمِيذًا. قَالَ: «لَيْسَ أَحَدٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى ٱلْمِحْرَاثِ وَيَنْظُرُ إِلَى مَا هُوَ وَرَاءُ يَصْلُحُ لِمَلَكُوتِ ٱللهِ». (لو ٩:٦٢) فَهَلْ كَانَتْ كَلِمَاتُ يَسُوعَ قَاسِيَةً أَوْ غَيْرَ مَنْطِقِيَّةٍ؟ كَلَّا، إِذْ عَرَفَ أَنَّ طَلَبَ هذَا ٱلرَّجُلِ لَمْ يَكُنْ سِوَى عُذْرٍ لِلتَّهَرُّبِ مِنَ ٱلْمَسْؤُولِيَّةِ. فَقَدْ وَصَفَ مُمَاطَلَتَهُ هذِهِ عَلَى أَنَّهَا «نَظَرٌ إِلَى مَا هُوَ وَرَاءُ». فَسَوَاءٌ ٱلْتَفَتَ ٱلْحَارِثُ إِلَى ٱلْخَلْفِ وَهُوَ يَعْمَلُ أَوْ تَرَكَ مِحْرَاثَهُ فِعْلِيًّا لِيَنْظُرَ إِلَى ٱلْوَرَاءِ، سَيَتَشَتَّتُ ٱنْتِبَاهُهُ وَيَتَأَثَّرُ عَمَلُهُ بِطَرِيقَةٍ سَلْبِيَّةٍ.
٤ عَلَامَ يَجِبُ أَنْ نُبْقِيَ عُيُونَنَا مُرَكَّزَةً؟
٤ إِذًا، بَدَلَ ٱلتَّحَسُّرِ عَلَى ٱلْمَاضِي، يَجِبُ أَنْ نُبْقِيَ عُيُونَنَا مُرَكَّزَةً عَلَى ٱلْمُسْتَقْبَلِ. لَاحِظْ كَيْفَ تَرِدُ هذِهِ ٱلْفِكْرَةُ بِوُضُوحٍ فِي أَمْثَال ٤:٢٥: «لِتَنْظُرْ عَيْنَاكَ إِلَى ٱلْأَمَامِ، وَلْتَكُنْ نَظَرَاتُكَ سَدِيدَةً قُدَّامَكَ».
٥ أَيُّ سَبَبٍ يَدْعُونَا أَلَّا نَنْظُرَ إِلَى مَا هُوَ وَرَاءُ؟
٥ لَدَيْنَا سَبَبٌ وَجِيهٌ لِئَلَّا نَنْظُرَ إِلَى مَا هُوَ وَرَاءُ. فَنَحْنُ نَعِيشُ ٱلْآنَ فِي «ٱلْأَيَّامِ ٱلْأَخِيرَةِ». (٢ تي ٣:١) وَهذَا يَعْنِي أَنَّنَا عَلَى عَتَبَةِ مَحْوِ نِظَامِ ٱلْأَشْيَاءِ هذَا بِأَسْرِهِ، لَا مُجَرَّدِ مَدِينَتَيْنِ شِرِّيرَتَيْنِ. فَمَا ٱلْعَمَلُ كَيْ لَا نَرْتَكِبَ ٱلْغَلْطَةَ ٱلَّتِي ٱرْتَكَبَتْهَا زَوْجَةُ لُوطٍ؟ بِدَايَةً، يَجِبُ أَنْ نُحَدِّدَ ٱلْأُمُورَ ٱلْمَاضِيَةَ ٱلَّتِي قَدْ نَمِيلُ إِلَى ٱلنَّظَرِ إِلَيْهَا. (٢ كو ٢:١١) فَلْنَسْتَعْرِضْ مَا هِيَ وَنَرَ كَيْفَ نَجْتَنِبُ ٱلتَّرْكِيزَ عَلَيْهَا.
اَلْمَاضِي ٱلْجَمِيلُ
٦ لِمَ لَا يُمْكِنُنَا دَوْمًا ٱلِٱعْتِمَادُ عَلَى ذَاكِرَتِنَا؟
٦ أَحَدُ ٱلْأَخْطَاءِ ٱلَّتِي قَدْ نَقْتَرِفُهَا هُوَ عَدَمُ ٱلنَّظَرِ بِوَاقِعِيَّةٍ إِلَى ٱلْمَاضِي. فَلَعَلَّنَا نُقَلِّلُ دُونَ قَصْدٍ مِنْ شَأْنِ ٱلْمَشَاكِلِ ٱلَّتِي عَانَيْنَاهَا فِي ٱلْمَاضِي وَنُغَالِي فِي تَقْيِيمِ ٱلْأَوْقَاتِ ٱلْحُلْوَةِ ٱلَّتِي تَمَتَّعْنَا بِهَا، فَيُخَيَّلُ إِلَيْنَا أَنَّنَا عِشْنَا حَيَاةً أَفْضَلَ بِكَثِيرٍ. لِذلِكَ لَا يُمْكِنُنَا دَوْمًا ٱلِٱعْتِمَادُ عَلَى ذَاكِرَتِنَا. وَهذِهِ ٱلذَّاكِرَةُ ٱلْمُشَوَّهَةُ قَدْ تَجْعَلُنَا نَحِنُّ إِلَى ٱلْأَيَّامِ ٱلسَّالِفَةِ. لكِنَّ ٱلْكِتَابَ ٱلْمُقَدَّسَ يُحَذِّرُنَا: «لَا تَقُلْ: ‹لِمَ كَانَتِ ٱلْأَيَّامُ ٱلْأُولَى أَفْضَلَ مِنْ هٰذِهِ؟›؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَنْ حِكْمَةٍ سُؤَالُكَ هٰذَا». (جا ٧:١٠) وَلِمَ تُشَكِّلُ طَرِيقَةُ ٱلتَّفْكِيرِ هذِهِ خَطَرًا عَلَيْنَا؟
٧-٩ (أ) مَاذَا حَصَلَ لِلْإِسْرَائِيلِيِّينَ فِي مِصْرَ؟ (ب) أَيَّةُ أَسْبَابٍ تَدْعُو إِلَى ٱلْفَرَحِ ٱخْتَبَرَهَا ٱلْإِسْرَائِيلِيُّونَ؟ (ج) بِشَأْنِ مَاذَا بَدَأَ ٱلْإِسْرَائِيلِيُّونَ يَتَأَفَّفُونَ وَيَتَذَمَّرُونَ؟
٧ إِلَيْكَ مَا حَصَلَ مَعَ ٱلْإِسْرَائِيلِيِّينَ فِي زَمَنِ مُوسَى. فَمَعَ أَنَّ ٱلْمِصْرِيِّينَ عَامَلُوهُمْ فِي ٱلْبِدَايَةِ كَضُيُوفٍ فِي أَرْضِ مِصْرَ، جَعَلُوا عَلَيْهِمْ بَعْدَ عَهْدِ يُوسُفَ «رُؤَسَاءَ تَسْخِيرٍ لِقَهْرِهِمْ بِأَثْقَالِهِمْ». (خر ١:١١) وَفِي مَا بَعْدُ، أَمَرَ فِرْعَوْنُ شَعْبَهُ بِقَتْلِ كُلِّ ٱلصِّبْيَانِ ٱلَّذِينَ تَلِدُهُمُ ٱلْعِبْرَانِيَّاتُ بُغْيَةَ ٱلْحَدِّ مِنْ أَعْدَادِ ٱلْإِسْرَائِيلِيِّينَ. (خر ١:١٥، ١٦، ٢٢) فَلَيْسَ غَرِيبًا أَنَّ يَهْوَهَ قَالَ لِمُوسَى: «إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَشَقَّةَ شَعْبِي ٱلَّذِينَ فِي مِصْرَ، وَسَمِعْتُ صُرَاخَهُمْ بِسَبَبِ مُسَخِّرِيهِمْ، لِأَنِّي عَالِمٌ بِأَوْجَاعِهِمْ»! — خر ٣:٧.
٨ وَهَلْ يَسَعُكَ أَنْ تَتَخَيَّلَ ٱلْفَرَحَ ٱلَّذِي غَمَرَ ٱلْإِسْرَائِيلِيِّينَ وَهُمْ يَخْرُجُونَ مِنْ أَرْضِ عُبُودِيَّتِهِمْ خروج ٦:١، ٦، ٧.) كَمَا أَنَّ ٱلْمِصْرِيِّينَ لَمْ يُطْلِقُوهُمْ فَحَسْبُ، بَلْ أَلَحُّوا عَلَيْهِمْ أَيْضًا أَنْ يَخْرُجُوا سَرِيعًا وَأَعْطَوْهُمُ ٱلْكَثِيرَ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ بِحَيْثُ أَمْكَنَ ٱلْقَوْلُ إِنَّ شَعْبَ ٱللهِ «سَلَبُوا ٱلْمِصْرِيِّينَ». (خر ١٢:٣٣-٣٦) وَقَدِ ٱبْتَهَجَ ٱلْإِسْرَائِيلِيُّونَ لَاحِقًا حِينَ رَأَوْا هَلَاكَ فِرْعَوْنَ وَكُلِّ جَيْشِهِ فِي ٱلْبَحْرِ ٱلْأَحْمَرِ. (خر ١٤:٣٠، ٣١) فَكَمْ تَقَوَّى إِيمَانُهُمْ دُونَ شَكٍّ نَتِيجَةَ هذِهِ ٱلْأَحْدَاثِ ٱلْمُثِيرَةِ!
كَشَعْبٍ حُرٍّ؟ فَقَدْ شَهِدُوا بِأُمِّ عَيْنِهِمِ ٱلطَّرِيقَةَ ٱلْمُدْهِشَةَ ٱلَّتِي ٱسْتَخْدَمَ بِهَا يَهْوَهُ قُوَّتَهُ لِجَلْبِ ٱلضَّرَبَاتِ ٱلْعَشْرِ عَلَى فِرْعَوْنَ ٱلْمُتَكَبِّرِ وَشَعْبِهِ. (اِقْرَأْ٩ لكِنْ مِنَ ٱلْمُسْتَغْرَبِ أَنَّ هذَا ٱلشَّعْبَ رَاحَ يَتَأَفَّفُ وَيَتَذَمَّرُ بَعْدَ فَتْرَةٍ قَصِيرَةٍ مِنْ إِنْقَاذِهِ ٱلْعَجَائِبِيِّ. بِشَأْنِ مَاذَا؟ اَلطَّعَامِ! فَمَا عَادُوا قَانِعِينَ بِمَا مَنَحَهُمْ إِيَّاهُ يَهْوَهُ، فَتَشَكَّوْا قَائِلِينَ: «كَمْ نَذْكُرُ ٱلسَّمَكَ ٱلَّذِي كُنَّا نَأْكُلُهُ فِي مِصْرَ مَجَّانًا، وَٱلْخِيَارَ وَٱلْبَطِّيخَ وَٱلْكُرَّاثَ وَٱلْبَصَلَ وَٱلثُّومَ! أَمَّا ٱلْآنَ فَقَدْ يَبِسَتْ نَفْسُنَا. وَلَيْسَ أَمَامَ أَعْيُنِنَا شَيْءٌ أَلْبَتَّةَ سِوَى ٱلْمَنِّ». (عد ١١:٥، ٦) نَعَمْ، لَقَدْ تَشَوَّهَتْ نَظْرَتُهُمْ إِلَى حَدٍّ كَبِيرٍ بِحَيْثُ أَرَادُوا أَنْ يَرْجِعُوا إِلَى أَرْضِ عُبُودِيَّتِهِمْ! (عد ١٤:٢-٤) وَبِسَبَبِ ٱلنَّظَرِ إِلَى ٱلْوَرَاءِ، خَسِرَ ٱلْإِسْرَائِيلِيُّونَ رِضَى يَهْوَهَ. — عد ١١:١٠.
١٠ مَاذَا نَتَعَلَّمُ مِنْ مِثَالِ ٱلْإِسْرَائِيلِيِّينَ؟
١٠ فَمَا هُوَ ٱلدَّرْسُ ٱلَّذِي نَسْتَمِدُّهُ ٱلْيَوْمَ؟ عِنْدَ مُوَاجَهَةِ ٱلْمَشَاكِلِ وَٱلتَّحَدِّيَاتِ، يَجِبُ أَلَّا نَتَحَسَّرَ عَلَى ٱلْأَيَّامِ ٱلْمَاضِيَةِ، ٱلَّتِي رُبَّمَا قَضَيْنَاهَا قَبْلَ أَنْ نَتَعَرَّفَ بِٱلْحَقِّ، لِٱعْتِقَادِنَا أَنَّهَا كَانَتْ أَفْضَلَ. صَحِيحٌ أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ ٱلْخَطَإِ ٱلتَّعَلُّمُ مِنِ ٱخْتِبَارَاتِنَا ٱلسَّابِقَةِ أَوِ ٱلتَّفْكِيرُ فِي أَيَّامٍ حُلْوَةٍ عِشْنَاهَا، لكِنْ يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ نَظْرَتُنَا إِلَى مَا مَضَى نَظْرَةً مُتَّزِنَةً وَوَاقِعِيَّةً. وَإِلَّا، فَسَنُصْبِحُ أَكْثَرَ ٱسْتِيَاءً مِنْ وَضْعِنَا ٱلْحَالِيِّ وَنُغْرَى بِٱلرُّجُوعِ إِلَى نَمَطِ حَيَاتِنَا ٱلسَّابِقِ. — اِقْرَأْ ٢ بطرس ٢:٢٠-٢٢.
اَلتَّضْحِيَاتُ ٱلْمَاضِيَةُ
١١ كَيْفَ يَنْظُرُ ٱلْبَعْضُ إِلَى ٱلتَّضْحِيَاتِ ٱلَّتِي قَامُوا بِهَا فِي ٱلْمَاضِي؟
١١ مِنَ ٱلْمُحْزِنِ أَنَّ ٱلْبَعْضَ يَعْتَبِرُونَ ٱلتَّضْحِيَاتِ ٱلَّتِي قَامُوا بِهَا فُرَصًا أَضَاعُوهَا مِنْ يَدِهِمْ. وَلَعَلَّكَ بَيْنَ كَثِيرِينَ مِنْ إِخْوَتِنَا وَأَخَوَاتِنَا ٱلَّذِينَ لَمْ يَسْعَوْا وَرَاءَ ٱلتَّعْلِيمِ ٱلْعَالِي وَٱلشُّهْرَةِ وَٱلْغِنَى، أَوْ بَيْنَ ٱلَّذِينَ تَخَلَّوْا عَنْ مَرَاكِزَ رَفِيعَةٍ فِي مَجَالِ ٱلْعَمَلِ وَٱلْفَنِّ وَٱلتَّعْلِيمِ وَٱلرِّيَاضَةِ. وَٱلْآنَ، هَا قَدْ مَرَّتِ ٱلسِّنُونَ وَٱلنِّهَايَةُ لَمْ تَأْتِ بَعْدُ. فَهَلْ تَسْتَرْسِلُ فِي تَخَيُّلِ مَا كَانَتْ سَتَؤُولُ إِلَيْهِ حَيَاتُكَ لَوْ لَمْ تَقُمْ بِهذِهِ ٱلتَّضْحِيَاتِ؟
١٢ كَيْفَ شَعَرَ بُولُسُ حِيَالَ ٱلْأُمُورِ ٱلَّتِي تَخَلَّى عَنْهَا؟
١٢ لَقَدْ تَخَلَّى ٱلرَّسُولُ بُولُسُ عَنْ أُمُورٍ كَثِيرَةٍ بِهَدَفِ ٱتِّبَاعِ ٱلْمَسِيحِ. (في ٣:٤-٦) وَكَيْفَ شَعَرَ حِيَالَهَا؟ يَذْكُرُ: «اَلْأُمُورُ ٱلَّتِي كَانَتْ لِي رِبْحًا ٱعْتَبَرْتُهَا خَسَارَةً مِنْ أَجْلِ ٱلْمَسِيحِ. بَلْ إِنِّي أَعْتَبِرُ أَيْضًا كُلَّ شَيْءٍ خَسَارَةً لِأَجْلِ ٱلْقِيمَةِ ٱلْفَائِقَةِ لِمَعْرِفَةِ ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّي. فَمِنْ أَجْلِهِ قَبِلْتُ خَسَارَةَ كُلِّ ٱلْأَشْيَاءِ وَأَنَا أَعْتَبِرُهَا نُفَايَةً لِكَيْ أَرْبَحَ ٱلْمَسِيحَ». * (في ٣:٧، ٨) فَتَمَامًا كَمَا أَنَّ ٱلشَّخْصَ ٱلَّذِي يَرْمِي ٱلنُّفَايَاتِ لَا يَأْسَفُ عَلَيْهَا، كَذلِكَ لَمْ يَنْدَمْ بُولُسُ عَلَى أَيَّةِ فُرْصَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ تَرَكَهَا وَرَاءَهُ. فَهُوَ مَا عَادَ يَعْتَبِرُهَا ذَاتَ قِيمَةٍ.
١٣، ١٤ كَيْفَ نَقْتَدِي بِمِثَالِ بُولُسَ؟
١٣ وَمَا ٱلْعَمَلُ إِذَا ٱسْتَحْوَذَ عَلَيْكَ ٱلتَّفْكِيرُ فِي ٱلْفُرَصِ «ٱلذَّهَبِيَّةِ» ٱلَّتِي فَاتَتْكَ؟ اِقْتَدِ بِمِثَالِ بُولُسَ. كَيْفَ؟ تَأَمَّلْ فِي قِيمَةِ مَا تَمْلِكُهُ ٱلْآنَ: عَلَاقَتِكَ ٱلثَّمِينَةِ بِيَهْوَهَ وَسِجِلِّكَ ٱلْأَمِينِ. (عب ٦:١٠) فَأَيَّةُ فَوَائِدَ مَادِّيَّةٍ يَمْنَحُهَا ٱلْعَالَمُ تُضَاهِي ٱلْبَرَكَاتِ ٱلرُّوحِيَّةَ ٱلْحَالِيَّةَ وَٱلْمُسْتَقْبَلِيَّةَ؟! — اِقْرَأْ مرقس ١٠:٢٨-٣٠.
١٤ ثَمَّةَ أَمْرٌ آخَرُ ذَكَرَهُ بُولُسُ يُسَاعِدُنَا أَنْ نَسْتَمِرَّ فِي خِدْمَةِ يَهْوَهَ بِأَمَانَةٍ. فَقَدْ قَالَ إِنَّهُ كَانَ ‹يَنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ وَيَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ أَمَامُ›. (في ٣:١٣) لَاحِظْ أَنَّ بُولُسَ يُبْرِزُ خُطْوَتَيْنِ بَالِغَتَيِ ٱلْأَهَمِّيَّةِ. أَوَّلًا، عَلَيْنَا أَنْ نَنْسَى ٱلْأُمُورَ ٱلَّتِي تَرَكْنَاهَا وَرَاءَنَا، غَيْرَ مُبَدِّدِينَ طَاقَتَنَا وَوَقْتَنَا بِإِطَالَةِ ٱلتَّفْكِيرِ فِيهَا. وَثَانِيًا، يَلْزَمُ أَنْ نَمْتَدَّ إِلَى مَا هُوَ أَمَامُ إِذْ نُوَاصِلُ ٱلتَّرْكِيزَ عَلَى مَا يَنْتَظِرُنَا، تَمَامًا كَٱلْعَدَّاءِ ٱلَّذِي يَكَادُ يَصِلُ إِلَى خَطِّ ٱلنِّهَايَةِ.
١٥ كَيْفَ يُفِيدُنَا ٱلتَّأَمُّلُ فِي أَمْثِلَةِ خُدَّامِ ٱللهِ ٱلْأُمَنَاءِ؟
١٥ إِنَّ ٱلتَّأَمُّلَ فِي أَمْثِلَةِ خُدَّامِ ٱللهِ ٱلْأُمَنَاءِ، سَوَاءٌ فِي ٱلْمَاضِي أَوِ ٱلْحَاضِرِ، يُعْطِينَا زَخْمًا لِلِٱسْتِمْرَارِ فِي ٱلتَّقَدُّمِ نَحْوَ ٱلْأَمَامِ عِوَضَ ٱلنَّظَرِ إِلَى مَا هُوَ وَرَاءُ. مَثَلًا، لَوْ ظَلَّ إِبْرَاهِيمُ وَسَارَةُ يَذْكُرَانِ أُورَ، ‹لَكَانَ لَهُمَا فُرْصَةٌ لِلْعَوْدَةِ›. (عب ١١:١٣-١٥) غَيْرَ أَنَّهُمَا لَمْ يَعُودَا إِلَى تِلْكَ ٱلْمَدِينَةِ. إِلَيْكَ أَيْضًا مِثَالَ مُوسَى. فَحِينَ غَادَرَ مِصْرَ لِلْمَرَّةِ ٱلْأُولَى، كَانَتِ ٱلْأُمُورُ ٱلَّتِي تَخَلَّى عَنْهَا تَفُوقُ بِأَشْوَاطٍ مَا تَرَكَهُ أَيُّ إِسْرَائِيلِيٍّ لَاحِقًا. لكِنَّ ٱلْكِتَابَ ٱلْمُقَدَّسَ لَا يُظْهِرُ أَنَّ مُوسَى تَاقَ إِلَيْهَا. بَدَلَ ذلِكَ، تُخْبِرُنَا كَلِمَةُ ٱللهِ أَنَّهُ «ٱعْتَبَرَ عَارَ ٱلْمَسِيحِ غِنًى أَعْظَمَ مِنْ كُنُوزِ مِصْرَ، لِأَنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ بِإِمْعَانٍ إِلَى ٱلْمُكَافَاةِ». — عب ١١:٢٦.
اَلِٱخْتِبَارَاتُ ٱلسَّلْبِيَّةُ ٱلسَّابِقَةُ
١٦ أَيُّ أَثَرٍ قَدْ تَتْرُكُهُ فِينَا ٱلِٱخْتِبَارَاتُ ٱلسَّابِقَةُ؟
١٦ لَا بُدَّ أَنَّنَا مَرَرْنَا بِبَعْضِ ٱلِٱخْتِبَارَاتِ ٱلسَّلْبِيَّةِ. فَلَرُبَّمَا يُعَذِّبُنَا ٱلتَّفْكِيرُ فِي أَخْطَاءٍ ٱرْتَكَبْنَاهَا سَابِقًا. (مز ٥١:٣) أَوْ رُبَّمَا نَتَأَلَّمُ مِنْ جَرَّاءِ مَشُورَةٍ صَارِمَةٍ تَلَقَّيْنَاهَا. (عب ١٢:١١) وَلَعَلَّ ٱلْمَظَالِمَ ٱلَّتِي عَانَيْنَاهَا، حَقِيقِيَّةً كَانَتْ أَوْ وَهْمِيَّةً، تُسَيْطِرُ عَلَى تَفْكِيرِنَا. (مز ٥٥:٢) فَمَاذَا نَسْتَطِيعُ فِعْلَهُ لِئَلَّا نُرَكِّزَ عَلَى ٱخْتِبَارَاتٍ مَاضِيَةٍ كَهذِهِ؟ لِنَتَحَدَّثْ عَنِ ٱلْحَالَاتِ ٱلثَّلَاثِ ٱلْآنِفَةِ ٱلذِّكْرِ.
١٧ (أ) لِمَاذَا قَالَ بُولُسُ عَنْ نَفْسِهِ إِنَّهُ «أَصْغَرُ أَصَاغِرِ ٱلْقِدِّيسِينَ جَمِيعًا»؟ (ب) كَيْفَ مَنَعَ بُولُسُ ٱلْأَفْكَارَ ٱلسَّلْبِيَّةَ مِنْ أَنْ تَسْتَحْوِذَ عَلَيْهِ؟
١٧ اَلْأَخْطَاءُ ٱلسَّابِقَةُ. قَالَ بُولُسُ عَنْ نَفْسِهِ إِنَّهُ «أَصْغَرُ أَصَاغِرِ ٱلْقِدِّيسِينَ جَمِيعًا». (اف ٣:٨) وَلِمَاذَا شَعَرَ عَلَى هذَا ٱلنَّحْوِ؟ يُجِيبُ: «لِأَنِّي ٱضْطَهَدْتُ جَمَاعَةَ ٱللهِ». (١ كو ١٥:٩) فَلَا بُدَّ أَنَّهُ أَحَسَّ بِٱلذَّنْبِ حِينَ ٱلْتَقَى بَعْضًا مِمَّنْ كَانَ يَضْطَهِدُهُمْ قَبْلًا. مَعَ ذلِكَ، ظَلَّ مُرَكِّزًا عَلَى ٱلنِّعْمَةِ ٱلَّتِي نَالَهَا بَدَلَ ٱلسَّمَاحِ لِلْأَفْكَارِ ٱلسَّلْبِيَّةِ بِأَنْ تَسْتَحْوِذَ عَلَيْهِ. (١ تي ١:١٢-١٦) وَهكَذَا، شَعَرَ بِٱلِٱمْتِنَانِ وَٱنْدَفَعَ إِلَى مُوَاصَلَةِ خِدْمَتِهِ. فَأَخْطَاؤُهُ ٱلسَّابِقَةُ كَانَتْ بَيْنَ ٱلْأُمُورِ ٱلَّتِي قَرَّرَ أَنْ يَنْسَاهَا. بِصُورَةٍ مُمَاثِلَةٍ، إِذَا حَصَرْنَا تَفْكِيرَنَا فِي ٱلرَّحْمَةِ ٱلَّتِي نِلْنَاهَا مِنْ يَهْوَهَ، فَلَا نَعُودُ نَسْتَنْزِفُ طَاقَتَنَا بِٱلْقَلَقِ ٱلْمُفْرِطِ بِشَأْنِ حَوَادِثَ مَاضِيَةٍ لَا يَسَعُنَا تَغْيِيرُهَا. وَبِذلِكَ، نَتَمَكَّنُ مِنِ ٱسْتِخْدَامِ قِوَانَا فِي خِدْمَةِ يَهْوَهَ.
١٨ (أ) مَاذَا قَدْ يَحْصُلُ إِذَا نَظَرْنَا بِٱسْتِيَاءٍ إِلَى مَشُورَةٍ نِلْنَاهَا؟ (ب) كَيْفَ نَعْمَلُ بِمُوجَبِ كَلِمَاتِ سُلَيْمَانَ؟
١٨ اَلْمَشُورَةُ ٱلْمُؤْلِمَةُ. مَاذَا إِذَا كُنَّا نَنْظُرُ بِٱسْتِيَاءٍ إِلَى مَشُورَةٍ نِلْنَاهَا؟ إِنَّ هذَا ٱلشُّعُورَ لَيْسَ مُؤْلِمًا فَحَسْبُ، بَلْ قَدْ يَجْعَلُنَا ‹نَخُورُ› أَيْضًا. (عب ١٢:٥) فَسَوَاءٌ رَفَضْنَا ٱلْمَشُورَةَ عَلَى ٱلْفَوْرِ أَوْ قَبِلْنَاهَا وَٱسْتَخْفَفْنَا بِهَا لَاحِقًا، تَكُونُ ٱلنَّتِيجَةُ وَاحِدَةً: لَمْ نَدَعِ ٱلْمَشُورَةَ تُفِيدُنَا وَتَصْقُلُنَا. فَكَمْ هُوَ أَفْضَلُ أَنْ نَعْمَلَ بِمُوجَبِ كَلِمَاتِ سُلَيْمَانَ ٱلَّذِي قَالَ: «تَمَسَّكْ بِٱلتَّأْدِيبِ، لَا تُرْخِهِ. اِحْفَظْهُ فَإِنَّهُ هُوَ حَيَاتُكَ»! (ام ٤:١٣) فَٱقْبَلِ ٱلْمَشُورَةَ، طَبِّقْهَا، وَٱمْضِ قُدُمًا، تَمَامًا كَٱلسَّائِقِ ٱلَّذِي يَتَّبِعُ لَافِتَاتِ ٱلطَّرِيقِ. — ام ٤:٢٦، ٢٧؛ اِقْرَأْ عبرانيين ١٢:١٢، ١٣.
١٩ كَيْفَ نَتَمَثَّلُ بِإِيمَانِ حَبَقُّوقَ وَإِرْمِيَا؟
١٩ اَلْمَظَالِمُ، حَقِيقِيَّةً كَانَتْ أَوْ وَهْمِيَّةً. رُبَّمَا نَشْعُرُ أَحْيَانًا مِثْلَ ٱلنَّبِيِّ حَبَقُّوقَ ٱلَّذِي صَرَخَ إِلَى يَهْوَهَ طَالِبًا ٱلْعَدْلَ. فَقَدْ كَانَ يَجْهَلُ سَبَبَ سَمَاحِ ٱللهِ بِحُصُولِ بَعْضِ ٱلْمَظَالِمِ. (حب ١:٢، ٣) فَكَمْ هُوَ مُهِمٌّ أَنْ نَتَمَثَّلَ بِإِيمَانِهِ حِينَ قَالَ: «إِنِّي أَبْتَهِجُ بِيَهْوَهَ، وَأَفْرَحُ بِإِلٰهِ خَلَاصِي»! (حب ٣:١٨) هُنَالِكَ أَيْضًا مِثَالُ إِرْمِيَا ٱلَّذِي حَافَظَ عَلَى «مَوْقِفِ ٱلِٱنْتِظَارِ». فَإِذَا ٱقْتَدَيْنَا بِهِ وَاضِعِينَ كُلَّ ثِقَتِنَا بِيَهْوَهَ، إِلهِ ٱلْعَدْلِ، نَكُونُ عَلَى يَقِينٍ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يُصَحَّحُ فِي ٱلْوَقْتِ ٱلْمُنَاسِبِ. — مرا ٣:١٩-٢٤.
٢٠ كَيْفَ نُبَرْهِنُ فِعْلًا أَنَّنَا ‹نَذْكُرُ زَوْجَةَ لُوطٍ›؟
٢٠ إِنَّنَا نَعِيشُ فِي أَزْمِنَةٍ مُشَوِّقَةٍ. فَثَمَّةَ حَوَادِثُ مُدْهِشَةٌ تَحْصُلُ ٱلْآنَ وَسَيَحْصُلُ ٱلْمَزِيدُ مِنْهَا فِي ٱلْقَرِيبِ ٱلْعَاجِلِ. فَلْنُجَارِ هَيْئَةَ يَهْوَهَ بِٱلْإِصْغَاءِ إِلَى مَشُورَةِ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ أَنْ نَنْظُرَ إِلَى مَا هُوَ أَمَامُ، وَلَيْسَ إِلَى مَا هُوَ وَرَاءُ. حِينَذَاكَ، نُبَرْهِنُ فِعْلًا أَنَّنَا ‹نَذْكُرُ زَوْجَةَ لُوطٍ›.
[الحاشية]
^ الفقرة 12 إِنَّ ٱلْكَلِمَةَ ٱلْأَصْلِيَّةَ ٱلْمُتَرْجَمَةَ هُنَا إِلَى «نُفَايَةٍ» عَنَتْ أَيْضًا «مَا يُرْمَى إِلَى ٱلْكِلَابِ»، «ٱلرَّوْثَ»، «ٱلْغَائِطَ». وَيَذْكُرُ أَحَدُ عُلَمَاءِ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ أَنَّ ٱسْتِخْدَامَ بُولُسَ لِهذِهِ ٱلْكَلِمَةِ يُشِيرُ إِلَى «حَيَدَانِ ٱلْمَرْءِ بِكُلِّ عَزْمٍ عَنْ شَيْءٍ عَدِيمِ ٱلْقِيمَةِ وَكَرِيهٍ، شَيْءٍ لَا يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ لَهُ بَعْدُ أَيَّةُ صِلَةٍ بِهِ».
[اسئلة الدرس]