هل ‹تبتغي عملا حسنا›؟
شعر سمير * بالتوتر حين طلب منه شيخان ان يتحدثا اليه على انفراد عقب زيارة ناظر الدائرة الاخيرة. فبعد عدة زيارات دائرية سابقة، كان الشيوخ قد اخبروه ما يلزمه كي يتأهل لنيل امتيازات اضافية في الجماعة. ومع مرور الوقت، راح يتساءل هل يعيَّن شيخا في يوم من الايام. تُرى ماذا سيقول له الشيخان هذه المرة؟
اصغى سمير بانتباه فيما تحدث اليه احد الشيخين الذي اشار الى ١ تيموثاوس ٣:١ وقال له ان شيوخ الجماعة تسلموا رسالة الموافقة على تعيينه شيخا. فتفاجأ سمير وسأله: «ماذا قلت؟!». وعندما أعاد الاخ ما قاله من جديد، ارتسمت ابتسامة على فم سمير. وفي ما بعد، حين أُعلن عن تعيينه في الجماعة، علت الابتسامات وجوه جميع الحاضرين.
هل من الخطإ ان يرغب المسيحي في نيل امتيازات في الجماعة؟ كلا على الاطلاق. فبحسب ١ تيموثاوس ٣:١، «إن ابتغى احد ان يكون ناظرا، فهو يشتهي عملا حسنا». ويعمل اخوة كثيرون بموجب هذه النصيحة، فيحرزون تقدما روحيا يؤهلهم لنيل امتيازات في الجماعة. نتيجة ذلك، يحظى شعب الله بمئات الآلاف من الشيوخ والخدام المساعدين ذوي الكفاءة. ولكن بما ان عدد الجماعات آخذ في النمو، فثمة حاجة الى ان يبتغي المزيد من الاخوة الامتيازات. فما هي الطريقة اللائقة للابتغاء؟ وهل يجب ان تكون هذه المسألة مصدر قلق دائم للذين يرغبون في ان يصيروا نظارا، كما كان الحال مع سمير؟
ما هو ‹الابتغاء›؟
ان الفعل «ابتغى» في الآية اعلاه هو ترجمة لفعل يوناني يعني ان يرغب رغبة شديدة في امر، ان يمد يده
لبلوغه. وقد تخطر على بالك الآن صورة شخص يحاول ان يتناول بيده ثمرة شهية تتدلى من الشجرة. على ان الابتغاء لا يعني ان يضع الاخ يده على الامتياز بجشع، لأن من يسعى بإخلاص الى الخدمة كشيخ يكون هدفه ان يعمل «عملا حسنا»، لا ان يحصل على مركز.نجد العديد من المطالب المرتبطة بهذا العمل الحسن في ١ تيموثاوس ٣:
فالاخ الذي يبتغي حقا عملا حسنا يبتعد عن كل انواع الغش والنجاسة ليكون لا مأخذ عليه. ولأنه معتدل في العادات ورزين ومنظم ومتعقل، يكون محل ثقة الجماعة، فيتطلعون الى قيادته ويستعينون به على حل مشاكلهم. وكشخص مضياف، يكون مصدر تشجيع للصغار والجدد في الحق. كما تدفعه محبته للصلاح الى تعزية ومساعدة المرضى والمسنين. وهو ينمي هذه الصفات ليخدم الآخرين، لا ليعزز فرص تعيينه. *
طبعا، تُسر هيئة الشيوخ بإسداء المشورة والتشجيع، لكن مسؤولية استيفاء مطالب الكتاب المقدس تقع اولا على عاتق الاخ الذي يبتغي. يقول هنري، ناظر ذو خبرة: «اذا كنت تبتغي الامتيازات، فاعمل جاهدا لإثبات مؤهِّلاتك». ويضيف مشيرا الى الجامعة ٩:١٠: «‹كل ما تجده يدك لتفعله، فافعله بما لك من قوة›. فكل تعيين يوكله اليك الشيوخ، تمِّمه بأفضل طريقة ممكنة. أَحِب اي عمل يوكَل اليك في الجماعة، بما فيه كنس الارض. ومع الوقت، سيصير عملك والجهود التي تبذلها ظاهرة». فإذا كنت ترغب في ان تخدم شيخا يوما ما، فكن عاملا مجتهدا وجديرا بالثقة في كل نواحي الخدمة المقدسة. ولتكن سيرتك عنوانا للتواضع، لا للطموح المتسم بالكبرياء. — مت ٢٣:
ارفض طريقة التفكير والوسائل الملتوية
قد يحاول بعض الذين يرغبون في نيل امتيازات في الجماعة ان يلمحوا الى ذلك او ان يؤثروا في هيئة الشيوخ. اما آخرون فيستاؤون حين يوجه اليهم الشيوخ مشورة ما. لكن على اشخاص كهؤلاء ان يسألوا انفسهم: ‹هل اسعى الى ما يخدم مصالحي او الى الاعتناء بتواضع بخراف يهوه؟›.
وفي هذا المجال، لا ينسَ الذين يبتغون ان يكونوا شيوخا مطلبا آخر يؤهلهم لهذا الامتياز، وهو ان يصيروا «امثلة للرعية». (١ بط ٥:
ماذا لو طال انتظارك؟
ينتظر عدد من الاخوة فترة من الوقت قبل ان يصيروا شيوخا، وقد تبدو الفترة في نظرهم دهرا. فإذا كنت منذ عدة سنوات ‹تبتغي ان تكون ناظرا›، فهل يساورك القلق احيانا؟ ان كان جوابك هو نعم، فتأمل في الكلمات التالية الموحى بها: «الامل المماطَل يُمرض القلب، والرغبة المحقَّقة شجرة حياة». — ام ١٣:١٢.
قد يشعر المرء بحرقة قلب عندما يبدو هدفه بعيد المنال. وهذا ما شعر به ابراهيم الذي وعده يهوه بنسل، ولكن مرت اعوام دون ان ينجب هو وسارة اولادا. (تك ١٢:
فهل خسر ابراهيم فرحه في خدمة يهوه اثناء فترة انتظاره؟ كلا. فهو لم يشك مطلقا في وعد الله، بل بقي يستبشر خيرا. كتب الرسول بولس: «ابراهيم اظهر الصبر فنال هذا الوعد». (عب ٦:١٥) وفي نهاية المطاف، اغدق الله القدير على هذا الرجل الامين بركات لم يكن ليحلم بها. فماذا تتعلم من مثال ابراهيم؟
اذا كنت ترغب في ان تخدم شيخا ولم تتحقق رغبتك هذه رغم مرور عدة سنوات، فلا تفقد ثقتك بيهوه ولا تخسر فرحك في خدمته. ويشرح وليد، شيخ ساعد اخوة كثيرين على احراز تقدم روحي، الحكمة من ذلك قائلا:
«ان بلوغ المؤهلات عملية تقدمية تتبلور تدريجيا. فمع الوقت، تصير مقدرات الاخ ومواقفه جلية شيئا فشيئا على ضوء تصرفاته والطريقة التي ينجز بها تعييناته. يعتقد البعض ان نجاحهم يُقاس بحصولهم على هذا الامتياز او ذاك التعيين. غير ان نمط التفكير هذا خاطئ ويمكن ان يتحول الى هاجس يستحوذ على صاحبه. فالنجاح الحقيقي هو ان تخدم يهوه بأمانة اينما كنت ومهما كان الدور الذي تقوم به».انتظر اخ اكثر من عقد قبل ان يتعين شيخا. وهو يشرح الدرس الذي تعلمه مستعيرا وصفا مشهورا من سفر حزقيال الاصحاح الاول. يقول: «يقود يهوه مركبته، اي هيئته، بالسرعة التي يختارها. فالمهم هو توقيت يهوه، لا توقيتنا. وفي ما يخص رغبتي ان اخدم شيخا، لا يهم ما اريده انا او اتمناه. فما اريده قد يكون شيئا آخر غير الذي يرى يهوه اني بحاجة اليه».
لذلك ان كنت ترجو ان تصير ناظرا مسيحيا يوما ما، فابتغِ هذا العمل الحسن بالمساهمة في سعادة الجماعة. وإذا بدا ان الوقت يمر ببطء، فحارب مشاعر القلق وعدم الصبر. يقول ريمون المذكور آنفا: «الطموح الاناني عدو القناعة. فالذين يكونون قلقين على الدوام يفوتهم ان يتذوقوا الفرح الجزيل الناتج عن خدمة يهوه». لذا نمِّ الى حد اكبر ثمر روح الله، ولا سيما طول الاناة. اسعَ الى تعزيز روحياتك بدرس الاسفار المقدسة. زد من مشاركتك في عمل الكرازة ودرس الكتاب المقدس مع المهتمين. كن قدوة لبيتك في النشاطات الروحية والعبادة العائلية. وتلذذ بعشرة اخوتك وأخواتك في كل فرصة تسنح لك. وبينما تسير قُدُما نحو هدفك، كن على ثقة انك ستستمتع بكل خطوة في الطريق.
ان فرصة التأهل لنيل امتيازات في الجماعة هي بركة من يهوه الذي لا يرغب، لا هو ولا هيئته، ان يتثبط الذين يبتغون او ان يخسروا فرحهم في خدمته. فالله يدعم ويبارك الذين يخدمونه بدوافع نقية. وهو حين يغدق بركاته، «لا يزيد معها عناء». — ام ١٠:٢٢.
هنالك دائما مجالات للتقدم روحيا حتى لو كنت تبتغي منذ فترة طويلة. وإذ تسعى الى تنمية الصفات اللازمة والعمل بكد في الجماعة دون اهمال عائلتك، لن ينسى الله ما تفعله في خدمته. فابتهج دائما بخدمة يهوه، مهما كانت التعيينات الموكَلة اليك.
^ الفقرة 2 الاسماء الواردة في هذه المقالة مستعارة.
^ الفقرة 8 تنطبق المبادئ في هذه المقالة على من يرغبون في ان يصيروا خداما مساعدين ايضا. ويمكن ايجاد المطالب التي عليهم بلوغها في ١ تيموثاوس ٣: